أنا هـيثم البدوي من جوبر كنت أعمل بمركز طبي أثناء وقوع مجزرة الكيماوي بتاريخ 21/8/2013، وقع الهجوم ليلا في ذروة فصل الصيف وفي لحظة سكون الهواء، كان توقيت القصف في أكثر لحظات النوم عمقا، عند الساعة الواحدة وعشرين دقيقة بعد منتصف الليل .
كنا بتلك الفترة محاصرين ومعزولين في الغوطة الشرقية عن العالم. تعرضنا لقصف بصواريخ كانت تحمل غاز السارين، تخرج تقريبا من منطقة ملعب العباسيين أو بانوراما حرب تشرين.
ظننا حينها أن الصواريخ والقذائف عادية لأننا كنا معتادين كل يوم في على سقوط القذائف الصاروخية على الأحياء السكنية.
كمركز طبي كان بعضنا مستنفر في الليل للإسعاف أو لاستقبال المصابين من القصف اليومي.
بتلك الليلة كنت متواجدا سطح البناء الذي أقطن فيه والذي يقع قريبا من المركز الطبي. كان صوت القذائف غريبا في تلك الليلة راقبت مكان سقوط هذه القذائف.
انتظرت بضع دقائق كالمعتاد قبل التوجه إلى مكان القصف، انتظرت وصول أي اتصال أو نداء لطلب المساعدة لكنه لم يصلني شيء في لحظتها، انتظرت بضعة دقائق أخرى هنا بدأ توافد المصابين من المدنيين لكنها كانت إصابات بدون دماء. كانت الأعراض الظاهرة على المصابين، خروج زبد من الفم، وحركات لا إرادية إضافة الى جحوظ العينين وضيق بالتنفس، كان هناك أشخاص خرج من فمهم زبد لكن لا يتنفسون لأنهم قتلوا نتيجة الاختناق بالغاز. اتصلت بغرفة العمليات المسؤولة عن ربط الاتصالات بين النقاط الطبية لأسأل عن المعلومات المتوفرة لكن الجواب كان لا معلومات أكيدة لديهم، وحولوا السؤال لي، فقلت له أنا أرى حالات غريبة أصادفها لأول مرة وأعتقد أننا نتعرض لهجوم بأسلحة كيميائية.
بتلك اللحظة بدأت بالاتصال بالنقاط الطبية في الغوطة وأخبرتهم أننا نتعرض للقصف بالأسلحة الكيميائية، عند الساعة الثانية تم إعلان الاستنفار الطبي العام بالغوطة وتم إبلاغ كامل الأفراد العاملين في المجال الطبي والمسعفين بضرورة الالتحاق بالنقاط الطبية وبدأت عمليات الإسعاف لمحاولة إنقاذ المصابين في المناطق التي تعرضت للقصف.
عمليات الإخلاء الكبرى طالت كلاً من زملكا وجوبر وعين ترما، سميتها عمليات الإخلاء الكبرى لأنها استغرقت ساعات عمل طويلة وصعبة استنفذنا فيها كامل جهدنا ومخزوناتنا الطبية من مستهلكات أو وقود.
فكل ما تم تخزينه من 2012إلى 2013 تم استهلاكه. خلال ثلاث ساعات تم استهلاك مستودعاتنا الرئيسية في عين ترما وجوبر فقد تم وضعها بالخدمة.
بالنسبة لبعض مناطق القصف كانت:
المنطقة الأولى: هي منطقة الزينية ومحيطها هذه المنطقة تحوي أكبر كثافة سكانية من حي جوبر سقطت القذائف على منطقة الزينية مما أدى لسقوط عدد كبير من الضحايا منهم عائلات كاملة .
المنطقة الثانية: الذي سقط فيها صواريخ تحمل غاز السارين هي منطقة البشائر بعين ترما، فيها كثافة سكانية أيضا.
المنطقة الثالثة: هي منطقة المزرعة في زملكا وهي منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة سقط فيها الكثير من الضحايا. تعرف هذه المنطقة أيضا باسم محيط مسجد التوفيق وهي منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة وأغلب الضحايا سقطوا في هذه المنطقة.
المنطقة الرابعة: هي منطقة جامع العدنان التي قصفت أيضا.
أثناء عملية الإخلاء رأيت أ. ح وأسرته يفارقون الحياة، دخلت إلى منزل مجاور لهم أيضا كان منزل صديقي اسمه (ب.م) أنقذته بيدي واستشهدت والدة زوجته بتلك اللحظة، أذكر ملامحها كيف كانت حتى الآن.. كانت ميتة تضع يدها على صدرها ويدها الأخرى مرفوعة إلى رقبتها تحاول التخلص من ضيق التنفس الذي أصابها ولم تكن على دراية بأنها استنشقت غازات سامة.
مع مرور الوقت كان حالنا يزداد سوءاً، ومع نهاية الساعات الأولى، حوالي الساعة الخامسة صباحا شعرت بإرهاق شديد دخلت بعده إلى العناية الطبية حتى تمكنت من استعادة وعيي وأجرى لي الأطباء الإسعافات كما باقي المصابين نتيجة تأثرنا بالغازات.
آلية الإسعاف التي اتبعناها هي وضع الشخص المصاب على أسطوانات الأوكسجين أو مولدات الأوكسجين الموجودة وحقنه بالأتروبين إضافة لنزع ملابسه وغسله بالماء حتى يتخلص من آثار الغاز الذي علق في ملابسه.
كان هذا هو الأسلوب المتبع في كل النقاط الطبية، أذكر أن النقاط الطبية والمشافي تحولت إلى حمامات لكثرة المياه، لأن آلاف المصابين إضافة إلى الكوادر كانوا مجبرين على الاغتسال للتخلص من الغاز. في تلك الليلة لم يبق بحوزتنا أي مستهلكات طبية يمكن استخدامها لأي عمل طبي.
كانت أعداد الضحايا كبيرة فاقت الإحصائية ال 1500 شهيد وآلاف المصابين. لك أن تتخيل سقوط 1500 ضحية خلال ثلاث ساعات، أي أننا أمام أهوال حرب عالمية أخرى بأجواء يوم القيامة.
لا تعرف ماذا حدث وماذا يحدث معك وماذا سيحدث، أنت فقط تعمل بكل طاقتك ولا تنتظر شيء آخر سوى الموت.
أنا أُحمل المسؤولية كاملة للنظام السوري وأقول إنه بعد القصف الكيماوي شن هجمات عنيفة بالقصف المدفعي والصاروخي ليقتل من نجا من القصف الكيماوي ويعطل عمليات الإسعاف والإخلاء الطبي أيضا.